1ـ أغـراض الـعملية التكوينية: إنّ تقديم نشاط ( تعليمي/ تكويني )، مهما كانت مدّته (في بضع دقائق أو عدّة أيام)، هوعبارة عن استجابة مُلحّة لاحتياجات الفئة المستهدفة. هذه الاحتياجات، بعد تشخيصها، تحليلها وضبطها، يُعبَّرعنها في شكل "انتظارات". هذه الانتظارات هي أغراض العملية التكوينية بعيْنها.إنها عبارة مُصرَّح بها، تحدِّد بصفة إجمالية نوايا المكوّن المتّبعة خلال عملية تكوينية أو حصة دراسية، لكنها كثيرة
التجريد بحيْث لا تحدّد لا المدّة الزمنية المخصصة لتنفيذها ولا النتائج القابلة للقياس. (موريسات.ص15)
ـ إنّ أوّل مرحلة استنباطية يقوم بها المكوّن لبناء مخطط التكوين هي –إذن- تحديده لأغراض العملية، لأنّ هذه الأغراض هي التي ستقوده وتوجّهه في تسيير نشاطاته... إنّ السؤال الأساس الذي ينبغي ألاّ يغيب عن المكوّن وهو يخطط لعمليته هو دائما: "ماذا يُنتظرأن يفعله المتكوّن الذي استوْعب ماتوخّينا منه استيعابه؟ "
يتركّب هذا السؤال من عناصر مفتاحية ينبغي الوقوف عندها وتوضيحها:ماذا يُنتظَر فعلُه ؟ تعبّر عن السلوكات التي ينبغي الحصول عليها كنواتج آدائية قابلة للملاحظة والقياس والحكم عليها كميًا وكيفيًا...
- المتكوّن :تمثّل الفاعل أي الفرد المستهدَف، مع الأخْذ بعيْن الاعتبار احتياجاته وما ينبغي أن يكون عليْه في نهاية التكوين...
- الذي استوْعب : تحدّد مسْعى التغيّر الذي يحدث (السيرورة كمضمون للقياس)، أو الذي حدث فعلاً (المنتوج كمضمون للقياس)...
- ما توخّينا منه استيعابه: تشير إلى الأهداف البيداغوجية (معارف-مهارات- مواقف-قدرات...) مُستمدَّة من البرنامج التكويني، رَامَ المعلّم إلى تحقيقها أو المهارات والسلوكات المتوقَّعَة في إطار المهامّ...
لذا، ينبغي أن يشمُل الغرض العناصر الأساسية الثلاثة الآتية: اـ
فئة المتكوّنين المُستهدَفة(La population cible)مثل: يجب أن يكون المتعلّم / المتكوّن قادراً على... أو : في نهاية العملية التكوينية،يكون المتكوّن قادراً على...(ولا مانع إن دعّم المكوّن هذه الأهداف بمعايير كدرجةالجودة،المدّة الزمنية...)
ب ـ
التغيّرات الدّاخلية الإجمالية باستعمال أفعال مثل: يطوّر؛ يكوّن؛ ينمّي؛ يتعرّف؛ يتذوّق؛يتحكّم...
جـ
محتوى اجمالي للعملية التكوينية: مثال :
- في نهاية العملية، يجب أن يكتسب المتكوّن الماماً شاملا بكيفية تسيير...
- في نهاية العملية، يتحكّم المتكوّن في تقنية بناء الأسئلة .
2- المحتويات: ذكرنا في المرحلة الاستنباطية الأولى (الأغراض) محتوى العملية التكوينية، ولكن بصفة إجمالية إذْ يغلُب عليها نوعٌ من الغموض والتجريد (
المام شامل بكيفية تسيير المؤسسة - تقنية بناء الأسئلة). وفي هذه المرحلة ينبغي تجزئة هذا المحتوى، تفريعه إلى عناصر تُضْفي عليْه نوعًا من الوضوح والدّقة.
كيف يتمّ ذلك ؟يجيب عن هذا السؤال الأستاذ الباحث"بريجينت" في قوْله :*- نُحْصي جميع العناصر التي يمكن التعرّض لها.
*- نوازن هذه العناصر حسب درجة أهمّيتها وتلاؤمها مع هذا النشاط التكويني وحسب درجة الصعوبة بالنسبة للفئة المستهدفَة.
*- نقوم بعملية فرْزٍ واختزال حتّى لا نحتفظ إلاّ بما هو جدير، آخذين في الاعتبار عامل الوقت المخصَّص لهذاالدرس، مستوى
المتدرّبين، والوسائل المتوفّرة لديْنا...
3ـ أهـداف الـعملية التكوينية:3ـ 1 ـ الأهداف العامة: الهدف العام هو تصريح بالنوايا البيداغوجية، يوضّح (
بقليل من الدقّة) ما جاء في الأغراض، واصفًا ما يُنتظَر من المتكوّن فعلُه في نهاية العملية التكوينية. قد يُجزَّأ الغرض الواحد إلى عدّة أهداف عامّة. هذه الانتظارات (
ما يُنتظَر من المتكوّن فعلُه أواكتسابه) تُحدَّد في شكل:معارف، مهارات، استعدادات، قدرات (
الرجوع إلى صنافات الأهداف)...
من الناحية المفاهيمية، يوضّح الهدف العام هذه الانتظارات في شكل تغيّرات داخلية يُزْمع المكوِّن إحداثها لدى متكوّنيه.
بعد ضبْط محتوى العملية الإجمالي والغرض المستهدف، ينتقل المكوّن إلى تقسيم هذا المحتوى إلى عناصره الأساسية ويحاول أن يجيب من خلاله على السؤال التالي: "
إلى أيّ حدّ من التعقيد، أو الكثافة، أوالنوعية يمكن للمتكوّن أن يطوّر كفاياته من خلال هذا المضمون،
وما هو المسار التكويني الملائم الذي ينبغي انتهاجه لتحقيق هذاالهدف ؟"...فإذا عُدْنا إلى تساؤلنا الأول: "
ماذا يُنتظَر أن يفعله المتكوّن الذي استوْعب ما توخّينا منه استيعابه؟ "والذي أجبْنا عنه في المرحلة الإستنباطية الأولى (الغرض) بـــ"
عند نهاية هذه العملية التكوينية، ينبغي أن يتحكّم المتكوّن في تقنيات القياس والتقويم"، هذا السؤال يضعُنا أمام مهارة معقّدة (يتحكّم)ينبغي أن يكتسبها المتكوّن، ومهارة التحكّم تقتضي القدرة الفعلية على معالجة مجموعة من الوضعيات باستخدام المخزون المعرفي،القدرة على التصرّف والقدرة علىالتكيّف...
قد تكون الإجابة عن هذا السؤال بتفكيك "الغرض" إلى عناصر فرعية تُسمَّى"الأهداف العامة" وتكون كالتالي:
لكي يتحكّم المعلّم في تقنيات القياس والتقويم، يجب أن:
*- يعرف ويفهم أهمّ المفاهيم المستعملَة في مجالَي القياس والتقويم.
*- يعرف، يفهم ويطبّق القواعد المتلائمة (les règles pertinentes ) لبناء أدوات القياس والتقويم واستخدامها.
*- يعرف، يفهم، يطبّق ويحلّل النتائج الخاصة بوضعيات قياس وتقويم التعلّم الدّراسي.
*- يكتسب عادة بناء اختبارات جيّدة و يثمِّن نوعية أدوات القياس والتقويم داخل القسم.
3ـ 2.الأهـداف الـخـاصـة : إذا توقّفنا، في اعدادنا لمخطط التكوين، عند حدود الأهداف العامّة، فإننا نخشى أن يُفقَد ذلك التّناغُم الذي ينبغي أن يكون بيْن المكوّن والمتكوّن فيما يتعلّق بإشباع احتياجات هذا الأخير واكسابه المهارات، كما يُخشَى أن تتعاظم التناقضات بيْن التّمثّلات الأولية
(les représentations initiales ) والنشاطات اليومية. هذه الانحرافات تنتج عن اختلاف الرّؤيا والتأويلات في فهْم الأهداف
العامة بين شخص وآخر حسب الوقت والظرف...
والسبب في ذلك يعود إلى الغموض وعدم الدقة في التحديد الذي يُصَاغ به الهدف العام.
وخيْرُ مثال على هذا الاختلاف من حيْث التصوّر والفهم والتأويل، هذه الصورة...
قدّمتها لمجموعة من الأساتذة وطالبتهم بالتعبير عمّا تمثّله، فكانت رؤياهم مختلفة وتأويلاتهم متعدّدة، بحيْث نظر إليها كل واحد منهم بمنظاره الخاص:
فهناك مَن رأى أنها تمثّل امرأة حسْناء في مُنتَهى الجمال، ومنهم مَن رأى فيها عجوزاً شمْطاء، ومنهم مَن ذهب خيالُه إلى تصوّر حيوانات مفترسة...
إنّ الأهداف العامة، كما تدلّ عليها تسميتها، تبقى شديدة التعميم، قابلة للتأويل... إذا أخذنا المثال الموالي:"أن يعرف التلميذ الحروف الهجائية"، فهناك مَن يفسّر هذه المعرفة على أساس حفْظها واستظهارها عن ظهْر قلْب، وهناك مَن يرى هذه المعرفة تتجلّى من خلال قدرة التلميذ على القراءة والكتابة، وهناك مَن يكتفي بالتعرّف عليها داخل سياق تركيبي...
تفاديا لهذه الاختلافات، لا بُدّ من الانتقال إلى مرحلة أخرى لتخطيط العملية التكوينية تكون أكثر وضوحاً ودقّة وهي مرحلة الأهداف الخاصة.
الهدف الخاص-إذن- هو هدف أكثر وضوحاً، هدف ملموس يصف بدقّة مجموعة من السلوكات أو الانجازات التي ينبغي أن يؤدّيها المتعلّم
لكي يُبَرْهن على حدوث التعلّم لديْه. إنّه هدف تعليمي مباشر يُنجَز في أمد قصيرجدّاً، يُحدّد بوضوح ما نَروم أن يتعلّمه التلميذ من خلال حضوره نشاطًا تعليميًا/تعلّميًا معيَّنًا يكون قابلاً للملاحظة والقياس... لذا، فالمعلّم، من خلال تحديده للهدف الخاص إنّما هو يُحدّد بالضبط مقدار التّراكم المعرفي ونوع المهارات التي يُقصَد تنميتُها لدى المتعلّم والتحكّم فيها...
إنّ الأهداف تفرض عليْنا عوْدةً ثانية إلى الأهداف العامّة والعمل على توْضيحها، فنطرَح التساؤلات التالية، تكون الإجابةعنها بمثابة أهداف خاصة:
1- ماذا يجب أن يُنجزه أوْ يفعله المتكوّن (التعبيرعن السلوك المنتظَر) ليُبرْهن على أنّه يعرف ويفهم أهمّ المفاهيم المستعملة في مجالَي "القياس والتقويم " ؟
2- ماذا يجب أن يُنجزَه أو يفعلَه المتكوّن لكي يُبرْهن على أنّه يعرف، يفهم ويطبّق القواعد المتلائمة لبناء واستعمال أدوات القياس والتقويم؟
3- ماذا يجب أن يكون قادراً على فعله لكي يبرْهن على أنه يعرف، يفهم،يطبّق ويحلّل النتائج الخاصة بوضعيات " قياس وتقويم المردود الدراسي " ؟
4- ماذا يجب أن يكون قادراً على انجازه لكي يبرْهن على أنه اكتسب عادة بناء اختبارات جيّدة، ويثمّن نوعية أدوات القياس والتقويم داخل القسم؟
بالتمعّن في كلّ هدف عام، وبالإجابة عن كلّ سؤال مطروح، يمكن للمكوّن- حينئذ-احصاء مجموعة من الأهداف الخاصة، مجموعة من السلوكات التي تمثّل بوضوح ما يُنتظرأن يُؤدّيَه المتعلّم كدليل على تعلّمه؛ فيكون الجواب عن السؤال الأول كالآتي:
- يجب أن يُعطي تعريفًا نصّيًا لأهمّ المفاهيم المستعمَلة في القياس والتقويم...
- يجب أن يُعطي أمثلة ملموسة تمثّل هذه المفاهيم...
- يجب أن يوضّح الوضعيات التي تصوّر هذا المفهوم أوذاك...
- انطلاقًا من نصوص حول القياس والتقويم، يجب أن يشرح المحتوى، يلخّص الوضعيات...
في الأهداف العامة، تُترجَم النّوايا في شكل عبارات شاملة، في حين إنّ الهدف الخاص يُعبَّر عنه في شكْل سلوكات تحدّدها بدقّة الأفعالُ السلوكية القابلة للملاحظة والقياس.
إنّ قابلية الفعْل السلوكي للملاحظة والقياس تجعل منه قضية حسّاسة أثّرت كثيراً،في السنوات الأخيرة، على المعلّمين حتّى أنّ بعضهم أصبح لا يولي الاهتمام إل اّلهذه الأفعال ممّا أدّى بالباحثين في مجالَي التعليم والتقويم إلى تخصيص حيّز وافرلها فحدّدوها وقنّنوها في صنافاتٍ وفْق المجالات الثلاثة: المعرفية،الوجدانية والحس حركية.